حكم عمليـات التجميل التحسينيـة

 

حكم عمليـات التجميل التحسينيـة
 
د. إلهام بنت عبد الله باجنيد
أضيف فى 1433/07/06 الموافق 2012/05/27 - 12:28 م


وهي العمليات التي يقصد منها تحسين المظهر، وتجديد الشباب دون وجود دوافع ضرورية، أو حاجية تستلزم فعلها.

وبالنظر في كثير من الكتب التي تناولت هذه القضية نجدها قد سارت على القول بتحريم هذا النوع من العمليات؛ لأنها لا تشتمل على دوافع ضرورية، ولا حاجية، ولأن فيها تغييراً لخلقة الله والعبث بها حسب الأهواء.

ويستدلون عليه بالآية التي في سورة النساء من قوله تعالى: {... وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ }[1]

 وبالأحاديث المشتملة على علة التغيير في معرض النهي عن النمص، والتفليج، والوشر كحديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه عندما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات، والمتفلجات للحسن، والآتي يغيرن خلق الله"[2]

مشيرين إلى أن الآية وتلك الأحاديث تجمع في علة النهي بين تغيير الخلقة وطلب الحسن، وهما معنيان موجودان في الجراحة التجميلية التحسينية، وعليه تعتبر داخلة في هذا الوعيد الشديد، ولا يجوز فعلها. [3]

واللافت للنظر في هذه الدراسات أنها لا تضع بين يدي القارئ ضابطاً لتغيير خلق الله، أو المراد به كما ورد عن العلماء الأجلاء.

 كما أنها لا تلفت إلى العلل والأسباب التي جاءت في سياقها الأحاديث، ومن لفت لها أورد ذلك موجزاً جداً، بل إن منهم من جعل ذلك الإيجاز القليل في حاشية دراسته مع أنها قلب الموضوع.

وقبل الانتهاء إلى حكم أخير في المسألة تفرض الدراسة الوقوف على أقوال العلماء يرحمهم الله في هذه الآية، والأحاديث.

أ- أما الآية الكريمة:

وهي قوله تعالى: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ[4]*  آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا}  

قال العلماء المراد بتغيير خلق الله:

1-  هو ما كان يفعله أهل الجاهلية من شق آذان الأنعام، وإطلاق اسم البحيرة عليها، وتحريمها على أنفسهم، وعلى أهلهم، فالتغيير هو بتغيير دين الله بالتحليل والتحريم من خلال تغيير في خلق هذه الأنعام من شق آذانها.

فهذا فيه تعذيب للحيوان، وتحريم وتحليل بالطغيان، والآذان في الأنعام جمال ومنفعة؛ لذلك رأى الشيطان أن يغير بها خلق الله تعالى، ويركب على ذلك التغيير الكفر به؛ لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر في الأضحية أن تستشرف عينها وآذانها لئلا تكون مقطوعة، أو مشقوقة، فتجتنب من جهة أن فيها أثر الشيطان. [5]

2-      وقيل: المراد به خصاء البهائم؛ لأنهم كانوا يكرهون خصاء كل شيء له نسل، إلا أنه رخص فيه جماعة من أهل العلم إذا قصدت فيه المنفعة بتطييب لحم الذكر وتقويته إذا انقطع أمله من الأنثى، ولم يقصد به تعليق ذلك الأمر بالدين كتقديمه لصنم يُعبد، ولا لرب يُوحد[6]

أما خصاء الآدمي، فلم يختلفوا أنه لا يحل ولا يجوز؛ لأنه مُثْله وتغيير لخلق الله.[7]

3-  وقالت طائفة: المراد بالتغيير لخلق الله هو أن الله تعالى خلق الشمس، والقمر، والأحجار، والنار، وغيرها من المخلوقات ليعتبر بها، وينتفع بها، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة.

4-      قال الزجاج: [8]إن الله تعالى خلق الأنعام لتركب وتؤكل فحرموها على أنفسهم، وجعل الشمس، والقمر، والحجارة مسخرة للناس فجعلوها آلهة يعبدونها، فقد غيروا ما خلق الله [9]

فيكون معنى التغيير الوارد في الآية الكريمة مختص بما كان يفعله أهل الجاهلية من تغيير في دين الله عز وجل بالتحليل، والتحريم.

وعليه لا يمكن استخلاص حكم العمليات الجراحية التجميلية من هذه الآية؛ لأن المراد بالتغيير الوارد فيها غير التغيير الذي يحدث بمثل تلك العمليات، فلا تكون أحد شواهد المسألة.

ب- أما السنة:

فقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الواشمات، والمستوشمات[10]والمتنمصات[11]والمتفلجات[12]للحسن، المغيرات خلق الله"[13]

ونحو هذا الحديث مما هو في معناه، والحديث يزجر عن الوشم والنمص والتفليج.

فأما الوشم، فهو محرم بالاتفاق[14]، لما فيها من الإيذاء، وإنحباس الدم، حتى أن من العلماء من ناقش مسألة الدم المنجس بسببه، وذهب إلى وجوب إزالته إذا أمكن وما لم يؤد إلى ضررٍ أكبر؛ لما فيه من النجاسة المانعة من صحة الطهارة والعبادة6، كما أنه لا يكاد يستحسن، وبه يتأذى الجلد[15]

وبالنظر في سياق الحديث نجد أن علة النهي عن الوشم، والنمص، والتلفليج هو الحسن، وتغيير خلق الله.

والتعليل بالحسن أمر يحتاج إلى تأمل ودقيق نظر؛ إذ أن تحسين المسلم لمظهره وطلبه للحسن ليس مما ينافي الشريعة الإسلامية، بل في نصوصها ما يدل على استحبابه، وفي حق المرأة آكد.

فها هو النبي صلى الله عليه وسلم فيما ترويه السيدة عائشة رضي الله عنها يأتيه النفر من أصحابه ينتظرونه على الباب، فلا يخرج إليهم حتى ينظر في ركوةٍ1 فيها ماء في الدار، ويسوي من لحيته وشعره مما يثير عجب السيدة عائشة رضي الله عنها، فيدفعها ذلك العجب لسؤاله: وأنت تفعل هذا؟ فيجيب: (نعم، إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه ، فإن الله جميل يحب الجمال) [16]

وكان لا تفارقة المرآة والسواك في السفر والحضر.[17]

وكان يلبس اللباس الحسن، ويتجمل لأهله وأصحابه، ويرى في ذلك إظهاراً لنعمه الله عليه، فيقول: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"[18]

وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان يكره أن يرى المرأة ليس بيدها أثر الحناء، والخضاب" [19]

 وتدخل عليه امرأة، فيقول لها: "اختضبي، تترك إحداكن الخضاب حتى تكون يدها كيد رجل"، تقول تلك المرأة"فما تركت الخضاب حتى لقيت الله" [20]

وغير ذلك مما يدل على أن طلب الحسن في ذاته لم يكن من الأمور التي تستهجنه الشريعة أو تأباه، بل تطلبه وتحث عليه، وكل ما يُفعل من الزينة والحسن يؤدي إلى التغيير، فالخضاب مثلاً يغير من منظر اليد، والكحل وغيره من المساحيق التي تتزين بها المرأة يغير من شكلها حتى أن كثيراً من أنواع المساحيق اليوم تعمل على توسيع العين الضيقة وعلى استقامة الأنف المدبب لدرجة لا تُعرف المرأة بعدها إلا بالشبه، وما تلون به المرأة شعرها كذلك، وليس كل تغييرٍ منهياً عنه، يقول الإمام النفراوي[21]يرحمه الله:

(ولا مانع من تأويل المحتمل عند وجوب العارض، ولا يقال: فيه تغيير لخلق الله؛ لأنا نقول: ليس كل تغييرٍ منهياً عنه، ألا ترى أن خصال الفطرة كالختان، وقص الأظفار ، والشعر، وغيرها من خصاء مباح الأكل من الحيوان، وغير ذلك جائزة)[22]

فإذاً لمَ اختص هذا النوع من التغيير الذي يحدثه التحسين بالنهي؟ لابد له من عله تبرره.

يقول الإمام ابن الجوزي[23]يرحمه الله مبيناً علة النهي في هذه الأحاديث ونحوها مما هو في معناها:

(إما أن يكون ذلك قد كان شعار الفاجرات، فيكنَّ المقصودات به، أو أن يكون مفعولاً للتدليس على الرجل، فهذا لا يجوز، أو أن يكون يتضمن تغيير خلق الله كالوشم الذي يؤذي اليد ويؤلمها ولا يكاد يستحسن ، وربما أثر القشر في الجلد تحسناً في العاجل، ثم يتأذى به الجلد فيما بعد)[24]

فالعلة إذاً من تحريم الأمور المنهي عنها في الحديث، إما لكونها مما تطلبه الفاجرات ترويجاً لفجورهن، فهو خير معين لهن على ذلك.

أو من أجل التدليس المنهي عنه بالاتفاق؛ لما يفضى إليه من النزاع وعدم الوفاق عندما تبدو المرأة بخلاف ما عليه الأصل، مما قد لا يرضى عنه الخاطب، بالذات إذا فعلته الكبيرة لتظهر أصغر سناً[25]فنهين عن التحسين المؤدي إلى تغرير الخاطب بخلاف ما لو فعلته بعلم الزوج وهو يعرف ما كان قبل التغيير، يقول الإمام ابن الجوزي يرحمه الله:

(قال شيخنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي[26]:إذا أخذت المرأة الشعر من وجهها لأجل زوجها بعد رؤيته إياها، فلا بأس به، وإنما يذم إذا فعلته قبل أن يراها، لأن فيه تدليساً) [27]

ولعل عدم المجافاة والمنافاة بين طلب الحسن ومبادئ الشريعة الإسلامية ما حدا بكثير من العلماء أن يغوصوا وراء علل الحديث لتبرير النهي عن هذا النوع من الحسن، كما حدا بكثيرٍ منهم من الذين يُعتد بقولهم إلى القول بجواز فعل الأمور المنهي عنها في الحديث متى كان بإذن الزوج، لانتقاء عله التدليس، يقول الإمام ابن حجر[28]يرحمه الله:

(قلت: وإطلاقه مقيد بإذن الزوج وعلمه، وإلاَّ فمتى خلا عن ذلك منع للتدليس) [29]

وفي المغنى:

(إن المحرم إنما هو وصل الشعر بالشعر لما فيه من التدليس... وغير ذلك لا يحرم؛ لعدم هذه المعاني فيها، وحصول المصلحة من تحسين المرأة لزوجها من غير مضرة)[30]

وفي حاشية ابن عابدين[31]:

(ولعله محمول على إذا ما فعلته للتتزين للأجانب ، وإلا فلو كان في وجهها شعر ينفر زوجها عنها بسببه ففي تحريم إزالته بُعْد؛ لأن الزينة للنساء مطلوبة للتحسين، إلاَّ أن يحمل على ما لا ضرورة إليه، لما في نتفه بالمنماص من الإيذاء[32]

قال الخطابي[33]

إنما ورد الوعيد الشديد في هذه الأشياء؛ لما فيها من الغش والخداع، ولو رخص في شيء منها لكان وسيلة إلى استجازة غيرها من أنواع الغش؛ ولما فيها من تغيير الخلقة)[34]

وهنا علة أخرى نبه إليها الإمام ابن الجوزي يرحمه الله، وهي كون التغيير يؤدي إلى الحسن في الحال، ثم يتأذى به الجسم في المآل ، وذلك كالوشم الذي يؤذى الجلد ويؤلمه، وربما آذاه نتيجة كبس الدم بالكحل، وغيره[35]

وتجدر الإشارة هنا والتنبيه على أن التعرض لقضية الوشم، والنمص، والتفليج ليس مقصوداً لذاته، وإنما للوقوف على العلة وراءه حتى يمكن وضع ضابط للتغيير الذي يصلح علة في تحريم أنواع من الحسن دون أخرى مما يوصل إلى حكم هذه العمليات التحسينية، وغير ذلك من أنواع التغيير بالتحسين.

وانطلاقاً مما سبق يمكن القول بأن التحسين المغِّير للخلقة المحرم يتلخص في الآتي:

1- ما كان مسهلاً وموصلاً إلى الفجور والحرام، كما هو ملاحظ في إنكباب الكثير من فنانات الطرب والتمثيل على عمليات التجميل لعرض أجسادهن في قالب يخلب الأنظار، أو في لجؤ غيرهن إليها ليكن أكثر فتنة وإغواءً، أو في تشبه النساء بالرجال أو العكس ، أو التشبه بأهل الكفر والفجور والمعاصي.[36]

2- ما كان أحبولة للغش والخداع، كالذي تفعله أو يفعله من يقصد التدليس  في حق من لو عرف به لما أرتضاه. [37]

3-  ما كان يترتب عليه ضررُ يربو على المصلحة المرتجاة منه، مما يجعل ذلك التغيير ما هو إلا تحسين في الحال أذى في المآل، وهذا يقرره أهل الاختصاص الثقات.

ويندرج تحت هذا الضابط الإسراف في اللجؤ إلى العمليات التجميلية مما يخرج بها إلى دائرة العبث والتلاعب حسب الأهواء.

وهذا يوجب على الأطباء الالتزام بتقوى الله تعالى فلا ينساقوا وراء إجرائها لمجرد الكسب المادي، ولا يلجأوا إلى الدعايات التسويقية المخالفة للحقائق[38]

كما يتطلب تبصير من تكون حاجتهم إلى تلك العمليات لدوافع نفسية يمكن معالجتها باللجؤ إلى طبيب نفسي دون الحاجة إلى إجراء العملية الجراحية.

وعليه فإن هذه العمليات متى خلت من أحد هذه الأمور لا تحرم عملاً بالقاعدة الشرعية التي تقول: (الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً فإذا انتفت العلة انتفى المعلول).

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الضوابط هي ضوابط خاصة بهذا النوع من العمليات الجراحية فلا يُغفل إلى جانبها توفر الضوابط العامة للعمليات الجراحية حتى يمكن القول بجواز إجرائها ، وتلك الضوابط هي:

1-   أن يقوم بإجرائها طبيب (أو طبيبة) مختص ومؤهل:

يقول الإمام ابن قدامة[39]رحمه الله عند وقوفه على مسألة تضمين الأطباء:

( وجملته أن هؤلاء إذا فعلوا ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين:

أحدهما: أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم ولهم بها بصارة ومعرفة، لأنه إذا لم يكن كذلك لم يحل له مباشرة القطع، وإذا قطع مع هذا كان فعله محرماً فيضمن سرايته كالقطع ابتداءً)[40]

وجاء في المبدع:

 (واقتضى ذلك أنهم إذا لم يكن لهم حذق في الصنعة أنهم يضمنون؛ لأنه لا تحل لهم مباشرة القطع، فإذا قطع فقد فعل محرماً فيضمن سرايته) [41]

والمتطبب الجاهل يشمل من لم يحسن الطب ولم يمارس العلاج أصلاً، ومن عنده إلمام بسيط بعلم الطب لا يؤهله لممارسته، ومن لديه معرفة بفن من فنون الطب ثم يقدم على الممارسة في تخصص غيره، ففي كل هذه الحالات يكون المعالج متطبباً جاهلاً، وهؤلاء لا يحل لهم أن يباشروا أي إجراء علاجي على أبدان المرضى لفقدهم شرط الجواز وهو المعرفة بالطب. [42]

2-  أن يلتزم الطبيب المختص بالتبصير الواعي لمن سيجري العملية بالأخطار والمضاعفات المتوقعة والمحتملة من جراء القيام بها. [43]

3-  أن تراعى فيها قواعد التداوي من حيث الالتزام بعدم الخلوة الشرعية، وأحكام كشف العورات إلا لضرورة أو حاجة داعية[44].